قررت المملكة العربية السعودية منذ ما يقارب السنتين إطلاق حساب بنكي باسم "حساب إبراء الذمة" أو حساب تأنيب الضمير -كما يطلق عليه البعض- وهو حساب للموظفين الذين يريدون إبراء ذممهم المالية تجاه أي جهة حكومية بسبب عدم انتظامهم في العمل، سواء بالتأخير الصباحي، أو الخروج أثناء العمل، وغيرهما من الأسباب التي تعيق توازي العمل بالراتب المتقاضَى. وتذهب هذه الأموال التي بلغت حتى يونيو الماضي 130 مليون ريال إلى 631 أسرة فقيرة. تبدو الفكرة طريفة، لكن هل لدى الجميع صحوة الضمير والاعتراف بأن هناك تقصيراً مَّا لسبب أو لآخر؟ فالعمل يعني التزاماً وانضباطاً يتقيدان بالدوام الرسمي، والإهمال في هذا التقيد يعني أن تخسر الدولة مبالغ ضخمة جراء هذا الاستهتار. وهناك حاجة ملحة لدراسة مدى انضباط موظفي الدولة بساعات العمل الرسمية، وكم هي فترة الإنتاجية الحقيقية، خاصة أن بعض الدوائر اتجهت إلى إطالة مدة العمل رغم أن كثيراً من موظفيها يشكون الفراغ، وعدم وجود أعمال تنجز بعد الثانية ظهراً. الأمر بالضرورة لا يتعلق بعدد ساعات الدوام بقدر ما يتعلق بكمية الإنتاج الفعلي، وعدد ساعاته، لأن إطالة ساعات عمل دون عمل حقيقي، تعني أيضاً خسائر مادية لا تحصى، بالإمكان تلافيها لو كان هناك قياس فعلي لواقع العمل واحتياجاته. فاليوم تتجه فرنسا وسنغافورة إلى تقليل فترات العمل بعد دراسات مكثفة عن ساعات الإنجاز الفعلية واحتياجات العمل الدقيقة. والالتزام عموماً بساعات الدوام يعني الالتزام بإنتاجية تفرضها الآداب المهنية والرضا عن الذات. ويعلل أحد أساتذة علم النفس أن العمل وقيمته مرتبطان بالنظام التعليمي والتنشئة منذ الصغر، التي تركز على كون العمل عبادةً، وتبتعد عن أساليب الإجبار على الطاعة العمياء للأوامر، وتبتعد أيضاً عن رفض روح النقد والابتكار. فالموظف هنا يحتاج إلى دراسة حالة، وإلى تحديد احتياجاته النفسية والإدارية، وهي مهام يتكفل بها التدريب وتفترض تدخل مدير الموظف الذي يعد الأقدر على تقييمه وتحديد احتياجاته بالضبط. الشركات الإدارية تعمل وفق اختبار جاهز لتحدد فئات الموظفين، لكن لا يمكن الأخذ بنتائج مثل هذه الاختبارات، فلكل إنسان طاقاتٌ كامنةٌ هو وزملاؤه أقدر على تحديدها وليس اختباراً عاماً يوضع للجميع، ليعيق سير العمل أكثر من كونه وضعاً لتسيير دفة العمل نحو مساراتها الأصح. وربما كانت الحوافز المعنوية والمادية هي الفرصةَ الأنجحَ لتضميد هذا الجرح النازف دائماً، فكلمات الثناء والشكر والمبالغ النقدية البسيطة لها مفعولها السحري في زيادة الدافعية للعمل والانتماء الوظيفي. فالاستيقاظ صباحاً بسبب رنين المنبه يسبب حالة من الضيق، لولا اقتناع الموظف بأن هناك ما يستحق الاستيقاظ لأجله، ويستحق العناء من عمل يحقق الكثير من النجاحات، ويعزز الإحساس بالرضا والتميز. وعودة للفكرة السعودية الطريفة السابقة الذكر، أزعم أننا بحاجة لمثل هذا الحساب المصرفي، فربما كان ريعه كفيلاً بإيجاد حلول جذرية لكثير من المشاريع التنموية المتوقفة بسبب الجانب المادي، لكن يبقى السؤال: كم من ضمير سيكون له سبق الاعتراف والاهتمام والتوبة؟!